الأنبياء كانوا يعملون في عدد من الحرف والصناعات اليدوية، فهذا نوح - عليه السلام - كان يعمل في النِّجارة وصناعة السفن: {وَاصْنَعْ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا وَلا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ} [هود: 37]، ومِن ذلك قوله - تعالى - عن داود - عليه السلام -: {وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ * أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} [سبأ: 11].
لأنَّه كان يعمل في صُنع الدُّروع، وقد قال - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((كان داودُ لا يأكل إلاَّ مِن عَمِل يَدِه))؛ رواه البخاري، قال ابن حجر: "والحِكمة في تخصيص داود بالذِّكْر أنَّ اقتصارَه في أكْلِه على ما يعمله بيده لم يكن مِن الحاجة؛ لأنَّه كان خليفةَ الله في الأرض، وإنَّما ابتغى الأكلَ من طريقٍ أفضل" ا.هـ
وموسى - عليه السلام - عَمِل أجيرًا عند الرجل الصالح؛ قال تعالى: {قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَةَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًا فَمِنْ عِنْدِكَ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنْ الصَّالِحِينَ} [القصص: 27]، فتزوج ابنته، وعمل عنده عشر سنين، وعمل زكريا - عليه السلام - في النجارة والخشب؛ يقول - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((كان زكريا - عليه السلام - نَجَّارًا))؛ رواه مسلم، قال النووي: "فيه جواز الصنائع، وأنَّ النِّجارة لا تُسقط المروءة، وأنَّها صنعةٌ فاضلة".
وفي المستدرك عن ابن عبَّاس - رضي الله عنهما-: كان داود زرَّادًا، وكان آدمُ حرَّاثًا، وكان نوحٌ نَجَّارًا، وكان إدريس خيَّاطًا، وكان موسى راعيًا - عليهم السلام.
وقد حثَّ على العمل النبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - فكان خيرَ العاملين؛ قالت عائشة - رضي الله عنها-: ((كان رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - يَخصِفُ نعله، ويَخيط ثوبَه، ويعمل في بيته كما يعمل أحدُكم في بيته))؛ رواه الترمذي، وأحمد (24943)، وصحَّحه ابن حبان (6326)، وعمل نبيُّنا محمَّد - صلَّى الله عليه وسلَّم - في رعْي الغنم؛ كما ثبت في صحيح البخاري: أنَّه - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((ما بَعثَ الله نبيًّا إلاَّ رَعَى الغَنم))، قالوا: وأنت يا رسولَ الله؟ قال: ((وأنا كنتُ أرعاها على قراريطَ لأهْلِ مكَّة))، ومارس رسولنا - صلَّى الله عليه وسلَّم - التجارة بأموال خديجة - رضي الله عنها - مضاربةً، وبعد الهجرة كان كسْبُه أفضل كسب: ((وجُعِل رِزقي تحتَ ظلِّ رُمحي)).