لقد عظم الإسلام من شأن العمل الصالح، في المصنع أو في المتجر أو في المستشفى أو في الوزارة أو في السوق، أو في بناء العمارات وتشييد المباني، أو في الزراعة وحراثة الأرض، أو حتى كان العمل في حفظ الأمن وحراسة الأموال والأغراض، أو حتى كان في القضاء والإدارة والفصل بين الناس أو غير ذلك، بل حتى عمل المرأة في بيتها لزوجها وأولادها فأنها تؤجر عليه. فعلى قدر عمل الإنسان يكون جزاؤه.
واعتَبَر الإسلام العمل نوعاً من أنواع الجهاد في سبيل الله، فقد رأى بعض الصحابة شابًّا قويًّا يُسرِع إلى عمله، فقالوا: لو كان هذا في سبيل الله، فردَّ عليهم النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: «لا تقولوا هذا؛ فإنَّه إنْ كان خرَج يسعى على ولده صِغارًا فهو في سبيل الله، وإنْ كان خرج يسعى على أبوَيْن شيخَيْن كبيرَيْن فهو في سبيل الله، وإنْ كان خرج يسعى على نفسه يعفُّها فهو في سبيل الله، وإنْ كان خرج رياءً ومفاخرة فهو في سبيل الشيطان» (صحيح الجامع للألباني، برقم: 1428)، إن هدف العمل في الإسلام ليس كسب المال فقط، ففضلاً عن معانيه التعبدية، فإن من غاياته تحقيق الأمن الاجتماعي بين الناس، وهذا يؤدي إلى التوازن النفسي على مستوى الفرد والجماعة، وكم من مجتمعات بلغت الغاية في الكسب المادي، ولكن أفرادها ظلت حياتهم مملوءة بالقلق والخوف والوحدة والشعور الحاد بالغربة القاتلة، وكأنها تعيش في غابة مملوءة بالوحوش الكاسرة، لذا نجد علاقات طردية بين العمل الصالح -والذي من وراءه بسط الرزق- والتوازن الاجتماعي، وهذا المفهوم يتضح من خلال الحديث الصحيح: «من سره أن يبسط له في رزقه أو يُنسأ له في أثره فليصل رحمه» (البخاري، برقم: 2067، ومسلم، برقم: 2557).